07/11/2022 - 09:15

بروفايل | نتنياهو العائد إلى حكم إسرائيل

في الرابع من تموز/ يوليو عام 1976، كان مواطن أميركي يدعى بن نيتاي ثملًا في بوسطن احتفالا بالذكرى المئتين لاستقلال الولايات المتحدة.

بروفايل | نتنياهو العائد إلى حكم إسرائيل

نتنياهو (Getty Images)

في الرابع من تموز/ يوليو عام 1976، كان مواطن أميركي يدعى بن نيتاي ثملًا في بوسطن احتفالا بالذكرى المئتين لاستقلال الولايات المتحدة. فجأة، رنّ هاتف منزله في وقت متأخر من الليل، قيل له إن أخيه قُتل. أيقظه الهاتف من غفلة لا من سكرة. تذكّر أنه إسرائيليّ أيضًا، وأن له اسمًا آخر: بنيامين نتنياهو.

إنه بنيامين نتنياهو ذاته الذي يعود للسلطة في إسرائيل هذه الأيام. لم ينسَ أنه أميركي رغم تنازله عن الجنسية الأميركية. حين خسر رئاسة الوزراء أوّل مرّة قالت زوجته سارة: كان بإمكانه أن يكون رئيسًا لأميركا، لكنّه فضّل أن يكون في إسرائيل. إسرائيل، التي صار نتنياهو أطول رئيس وزراء خدمةً فيها، هي ليست إسرائيل التي استلمها. غيّر فيها، في إعلامها، في سياستها، وفي أمنها، وحتى في بنيتها الاجتماعية.

العائلة أوّلا

والده هو بنتسيون نتنياهو. تقول النكتة إنّك إن سألته في أيّ عام نحن الآن؟ سيجيبك: نحن الآن في العام 1938، والنازيون سيفتكون بنا في أيّة لحظة والعالم متسامح معهم. كل السنوات عنده 1938. كل الخصوم عنده نازيون. والعالم دائمًا متساهل مع قتل اليهود. استنتج: ما لم يكن لليهود دولة وسلاح، فلن يقدروا على حماية أنفسهم.

عارض والده بن غوريون، وانحاز إلى جابوتنسكي. مثّل بن غوريون شوفينية الحركة العمالية في أوروبا الشرقيّة المأزومة قوميًّا، بينما مثّل جابوتنسكي البديل العنصري عن هذا "اليسار" بمرجعية فاشيّة. انتقل بنتسيون إلى الولايات المتحدة في الثلاثينيّات بدعوة من جابوتنسكي ليكون إلى جواره، وأصبح لاحقًا سكرتيره الشخصي. مات جابوتنسكي، وكان نتنياهو الأب من بين قلّة حملت جثمانه. بعد النكبة وقيام إسرائيل عاد إلى فلسطين وقد صارت دولةً لليهود، وخاض مواجهة مع النخبة الإسرائيلية في الأكاديميا، التي استثنته من التثبيت فيها. غادر إلى الولايات المتحدة مرّة أخرى في الستينيات للعمل في جامعة كورنيل ناقمًا: النخبة تكرهني.

ولده الأكبر يوناثان (يوني) عاد إلى إسرائيل للخدمة العسكرية. تدرّج في الجيش الإسرائيلي، قاتل في معركة أبو عجيلة خلال النكسة، ثم انطلق إلى جبهة الجولان، وأصيب فيها في كتفه. لاحقًا قاد عملية اختطاف 5 ضباط سوريين من عيتا الشعب اللبنانية عام 1972. وفي حرب 1973، أشرف على "سرية الأركان" النخبوية في جبهة الجولان، ووجّه لاحقًا الجيش الإسرائيلي إلى ضواحي دمشق.

ثم جاءت عملية أوغندا. اختطف ألمانيان وفلسطينيون طائرة إير فرانس كانت في طريقها إلى إسرائيل، وحرفوا مسارها إلى عنتيبي. رفضت القيادة العسكرية الإسرائيلية التفاوض وأطلقت عملية عسكرية لتحرير الطائرة قادها يوني نتنياهو. نجحت العملية. تحرّرت الطائرة. لكنّ يوني قتل.

هنا بدأت الأسطورة: الأكاديمي الذي لفظته نخبة إسرائيل، يُقتل ابنه دفاعًا عن شعب إسرائيل. خلال أقلّ من عام أنتجت هوليوود فيلما عنه صار الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة. الأسطورة لم تعد إسرائيليّة فقط.

من هذه الأسطورة، ولدت أسطورة أخرى اسمها بنيامين نتنياهو، الذي انكشف إلى الإعلام الأميركي لأوّل مرة في وقت الذروة (برايم تايم)، وأسّس لاحقًا، مركزًا نشطًا في الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب. سرعان ما جُنّد نتنياهو إلى الدبلوماسية الإسرائيلية، قبل أن يصير أبرز الدبلوماسيين الإسرائيليين في الولايات المتحدة والأمم المتحدة.

ومن هنا كانت الطريق مفتوحة إلى قيادة الليكود، غلب كافّة "أمراء" الحزب، الواحد تلو الآخر، واحتكر قيادة الحزب، وبالتالي قيادة المعارضة، في الكنيست لكن أيضًا في الشارع، معارضًا لرئيس الوزراء حينها، يتسحاك رابين. كان الشارع في إسرائيل يغلي. وصل فتى إلى سيارة رابين وسرق شعارها، وقال أمام الكاميرا: "وصلنا إلى سيارة رابين، سنصل قريبًا إليه". هذا الفتى كان اسمه إيتمار بن غفير.

آخر مظاهرة قادها نتنياهو ضد رابين وُزّعت فيها مناشير لصورة رابين بملابس الـ"إس. إس"، وهتفت فيها هتافات لقتله. قُتل رابين بعد أقلّ من شهر. ورثه شمعون بيرس. جرت انتخابات فاز فيها.. نتنياهو.

في المرّة الأولى التي وصل فيها نتنياهو إلى الحكم، كان عليه أن يبرّئ نفسه أوّلا من دم رابين. أصرّ نتنياهو أنه رجل سلام. لكنْ أيّ سلام؟

"مكان بين الأمم"

كتب نتنياهو كتابًا سمّاه "مكان تحت الشمس"، يستعرض فيه، بالتفصيل، رؤيته التاريخية لإسرائيل وللمسألة اليهودية وعلاقتها بأرض فلسطين، ويلخّص دوره البارز في الولايات المتحدة مندوبا لإسرائيل في الأمم المتحدة؛ وإستراتيجيّته لحكم إسرائيل، وكما يوحي اسم الكتاب، للمكان الذي يجب أن تكون فيه.

صدر الكتاب بعنوان "مكان بين الأمم" بالإنجليزية في الولايات المتحدة الأميركية، عام 1993، أي قبل أشهر قليلة من "اتفاق أوسلو". لم يحتفِ به أحد، بدا وكأنه كتاب من زمن آخر. الاحتفاء حصده كتاب لشمعون بيرس عنوانه "الشرق الأوسط الجديد". بدا لكثيرين حينها أنّ نتنياهو ليس أكثر من هامش على المتن الإسرائيلي.

إن كان المقبول عند كثير من مؤرّخي اليهودية والصهيونية اعتبار "خراب الهيكل الثاني" عام 70 للميلاد، بداية للشتات اليهودي عن فلسطين ولانحطاطهم فيها، فإنّ نتنياهو يقدّم رواية أخرى يزعم فيها أن اليهود ظلّوا أغلبية في فلسطين خلال "الاحتلالين" الروماني والبيزنطي حتى الفتح الإسلامي لبلاد الشام. الفتح الإسلامي لبلاد الشام هو موعد الانحطاط اليهودي في فلسطين عند نتنياهو، وليس خراب الهيكل المزعوم.

ويشبّه نتنياهو الصهيونية واستيطانها في فلسطين بـ"الريكونكيستا"، أي سقوط الأندلس وعودة الإسبانيين الدموية التدريجيّة إلى الحكم، بعد 800 عام من حكم العرب، بعد طردهم وارتكاب المجازر بحقّهم. وفي هذا السياق على الغرب أن ينظر إلى الصراع العربي - الإسرائيلي. أي كجزء من "صراعه (الغرب) الحضاري" ضد الإسلام.

تأثّر نتنياهو في رؤيته هذه بشخصين: والده، بنتسيون، وصامويل هنتنغتون، صاحب صراع الحضارات.

ولا يزال نتنياهو مقتنعًا بهذه الرؤية إلى الآن، من منّا لا يذكر مزاحمته قادة الغرب في مسيرة باريس بعد هجمات "داعش" عام 2015؟ أو تحذيراته، في الأيام الأولى لثورة يناير، من أنها في طريقها لأن تتحوّل إلى ثورة إسلامية؟ وهو المنطق ذاته الذي يحكم رؤيته إلى الملف النووي الإيراني. فإسرائيل، عنده، تقوم بمهمة إحباط النووي الإيراني بدلا من الغرب، وهي تتلقّى هجمات الإيرانيين، بدلا أن تتلقاها الدول الغربية.

لكن ما الذي حدث في فلسطين بين الفتح الإسلامي والاستيطان الصهيوني من وجهة نظره؟ لا شيء.

يكرّس نتنياهو في كتابه الرواية الصهيونية أنّ أرض فلسطين كانت مهملة وخاوية خلال هذه الفترة التاريخيّة الطويلة، وأن الشعب الفلسطيني ليس أكثر من خدعة جاءت ردًّا على الحركة الصهيونية واستيطانها في فلسطين، ويتبنى مقولة البريطاني يسرائيل زانغويل أنّ "فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". من سكنوا فلسطين، عنده، ليسوا أمّة، بل بدو رُحّل أو مهاجرون من المناطق المجاورة، وهم جزء من الحضارة الإسلامية الممتدة على مسافة هائلة، لكنّهم ليسوا أبناء هذه البلاد، ولم يعمرّوها ولم يطوّروها.

أمّا الذين عارضوا إقامة وطن لليهود في فلسطين، من أوروبيين وغربيين، فاتهمهم نتنياهو بأنهم يفعلون ذلك انطلاقًا من "لا ساميّتهم".

يرى نتنياهو نفسه في سياق تاريخي واسع. هو ليس رئيسَ وزراء لدولة شرق أوسطيّة صغيرة وعدد سكّانها قليل. إنما هو زعيم دولة غربيّة تتصدّر المواجهة، بدلا عن الغرب كلّه وبالإنابة عنه، لحمايته.

إسرائيل، عنده، جبهة متقدّمة للمواجهة، وهو يقود هذه المواجهة، لكن ليس مع الفلسطينيين أو مع منظمة التحرير، التي لا يعترف بها ممثلة للشعب الفلسطيني، لأنه لا يعترف بالشعب الفلسطيني. تارةً ينظر إلى منظمة التحرير كأداة بيد جمال عبد الناصر، ولاحقًا بيد الاتحاد السوفياتي وصدّام حسين والعرب. وفي هذه الأيام، ينظر إلى المقاومة الفلسطينية كذراع إيرانية طولى.

نتنياهو، من وجهة نظر نفسه، يتصدّر مواجهة الغرب كلّه.

وفي الكتاب حديث عن السلام أيضًا، والعقبة أمامه ليست إسرائيل بنشأتها على خرائب الشعب الفلسطيني، وتهجيره وتوسّعها لاحقًا لاستكمال احتلال فلسطين وأجزاءً من بلاد العرب ومجازرها الواسعة. العقبة عنده هي رفض العرب الاعترافَ بدولة إسرائيل، النابع من كراهيّتهم للغرب.

والسلام الذي يتحدّث عنه نتنياهو هو "سلام الردع"، ويمكن التوصّل إليه فقط عندما يقتنع العرب أنهم غير قادرين على إزالة إسرائيل، بسبب قوّتها، دون تقديم أي تنازلات سياسية أو في الأرض للعرب والفلسطينيين.

تحقّقت هذه الرؤية، جزئيًا، عام 2020، عند إعلان التحالف الإماراتي الإسرائيلي (وما تبعه). "سلام" دون أيّة تنازلات إسرائيل، لا في الأرض ولا في غيرها، وفوق هذا تحالف لمواجهة "الإسلام السياسي"، بينما هو في الحقيقة تحالف لمواجهة الشعوب العربية بعد ثوراتهم.

سيناتور جمهوري عن ولاية رحافيا

بعد الحرب على قطاع غزّة عام 2014 عقد نتنياهو سلسلة مقابلات مع الصحافيين الإسرائيليين، استفاض خلالها في الحديث عن خطأ شارون في الانسحاب من قطاع غزّة. سأله مراسل "هآرتس" لماذا لا تصحّح هذا الخطأ وتحتلّ غزة من جديد؟ ضحك نتنياهو بصوت عالٍ. إنه أقرب إلى الجمهوريين المحافظين، "ألا تتدّخل وتبقي الأمور كما هي، أفضل من أن تتدخّل وتغيّر".

مرّةً وصفه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بأنه السيناتور الجمهوري عن ولاية رحافيا (الحي الذي يقع فيه مقرّ رئيس الوزراء).

اللغة التي يتحدّث بها نتنياهو مع عائلته ومن حوله هي الإنجليزيّة. وهو أقرب إلى سيناتورات الحزب الجمهوري منه إلى قيادات حزب الليكود، يشبه رونالد ريغان أكثر مما يشبه يتسحاك شمير. عقيدته الأمنية أقرب إلى الجمهوريين منها إلى أرئيل شارون مثلا: ورث حصارًا على غزّة، لم يشدّده حتى الخناق، لكنّه لم يرفعه. يدّعي أنه جُرّ إلى حرب 2014 جرًّا، وزاود عليه داخل الكابينيت الأمني وزراء مثل نفتالي بينيت.

ليس في غزّة فقط. عارض اتفاق أوسلو، لكنّه لم يلغه عندما صار رئيسًا للوزراء ولم ينفّذه، بل حاول التملّص منه. وخلال الأسابيع الأخيرة تراجع عن عهد قطعه بأن يلغي اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان، قائلا إنه سيعارضه فقط.

من خدمته العسكرية في "سرية الأركان" تعلّم تفضيل العمليات العينية على الحروب الكبيرة. نفّذ سلسلة اغتيالات في عهده، أبرزها محمود المبحوح وحسان اللقيّس وسمير القنطار وبهاء أبو العطا، وأحمد الجعبري وكبار مسؤولي البرنامج النووي الإيراني وحاول اغتيال خالد مشعل، لكنّه يرفض العمليات العسكرية الكبيرة.

أطلق في سورية عمليات عسكرية ضد إيران تقوم على الإنكار، ما تزال مستمرّة إلى الآن. وتبنّى سياسة التخريب في إيران التي أطلقها رئيس الموساد الأسبق، مئير داغان، وشملت قادة البرنامج النووي الإيراني، وأبرزهم محسن فخري زاده. وكانت إدارتا أوباما وترامب تعتقدان أنه ينوي توريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران، لا أن يخوضها هو (كما ذكر ترامب في تسجيل صوتي مسرّب للصحافي باراك رافيد).

في المعارك الانتخابية بين 2019 و2022، واجه رؤساءُ أركان سابقون للجيش الإسرائيلي صعوبة في إقناع الإسرائيليين أنّهم قادرون على ضمان الأمن في إسرائيل أكثر من منافسهم بنيامين نتنياهو، الذي أقنع كثيرين أنه ضامن الأمن في إسرائيل، من خصومه قبل أنصاره.

ها هو يعود

ورث من والده شيئًا آخر: عداء النخبة المتنفّذة، بحسبه، في الإعلام والقضاء والمؤسسات. كانت ولايته الأولى الأقصر لرئيس وزراء في إسرائيل إلى ذلك الحين. اتهم الإعلام بمعاداته. وبقي عقدًا كاملا بين الاعتزال وبين المناصب الوزارية موظفًا ثانيا أو ثالثًا عند أرئيل شارون، ثم خصمًا له.

في عقده الضائع - بين تسلّمه رئاسة الوزراء في المرّة الأولى والعودة إلى رئاسة الوزراء في المرّة الثانية - أضرّ نتنياهو بقاعدته الانتخابيّة: رغم محاولته عرقلة اتفاق أوسلو إلّا أن انسحابه من الخليل ولقائه لاحقًا بياسر عرفات في الولايات المتحدة أبعدا عنده قاعدة المستوطنين؛ واقتطاعاته المالية خلال عمله وزيرًا للمالية في عهد شارون أثارت نقمة الحريديّين عليه، حتى أنه هُرّب للقاء الحاخام عوفاديا يوسف، المرجعية الدينية لـ"شاس"، من غرفة الخردة.

في العام 2006، حصل نتنياهو على 12 مقعدًا في انتخابات الكنيست. وجد نفسه في صحراء السياسة الإسرائيلية. كان مقتنعًا أنه لا يمكن أن يستمرّ في الحكم دون وسيلة إعلام إلى جانبه. ليست أي وسيلة إعلام، يريدها تشبه "فوكس نيوز" الأميركية، التي قرّرت مخاطبة اليمين فقط، لا عموم الأميركيين.

جاءته هديّتان من مليارديريّين أميركيين: شيلدون أديسون أهداه صحيفة "يسرائيل هيوم" المجانية التي أضحت الأوسع انتشارًا في إسرائيل؛ ومارك زوكربيرغ أهداه، دون قصد، موقع "فيسبوك".

بدأ نتنياهو معركة العودة الثانية بعد انتخابات 2006 وغياب شارون وتعثّر أولمرت بالفساد ودماء العرب، بالتقرّب من الحريديّين. وصل التقارب إلى الدرجة التي كشف فيها نتنياهو عن خططه لقصف إيران أمام الحاخام عوفاديا يوسف. وقع طلاق صغير بين عامي 2013 و2015، حين أجبره يائير لابيد، النجم الجديد القادم من التلفزيون إلى السياسة، على تشكيل حكومةٍ لا تضمّ حريديين.

في انتخابات 2015 بدأ التحوّل الكبير. قرّر نتنياهو الانحياز لقاعدته وتجييشها بدل مخاطبة "المركز"، لاستمالته. صار نتنياهو أكثر عدوانية لإشباع هذه القاعدة. بدل الحديث عن احترام مؤسسات الدولة، صار يتحدّث عن تغييرات في المنظومة القضائيّة. وبدل الحديث عن الالتزام (الشكلي) بحل الدولتين، صار يتحدّث عن ضمّ الضفة الغربية.

ساعد نتنياهو على هذا التحوّل موقع "فيسبوك" الذي قلّل منه نتنياهو في بدايته قبل أن يتحوّل إلى الوسيلة الوحيدة التي يستخدمها للتواصل مع أنصاره، دون مقصّ المحرّرين في وسائل الإعلام.

التواصل المباشر غيّر قاعدته. صارت أكثر يمينيّة. قاعدة "شاس" الشعبية التي هُرّب تهريبًا للقاء مرجعيّتها الدينية صار الأكثر شعبية فيها. عند المتديّنين الأشكناز ثمّة نقاشات على كل شيء حول الدين والمرجعيات والتقاليد، الإجماع الوحيد هو الإجماع على بنيامين نتنياهو. مُلئت خزائن مدراسهم الدينيّة بالميزانيّات. عُطّلت جميع المدارس في إسرائيل خلال فترة كورونا، إلا مدارس الحريدّيين. اتُهم بمحاباتهم، وبالخوف من مرجعيّاتهم.

نجح نتنياهو في تغيير المجتمع في إسرائيل. صار التدّين ملازما لمواقفَ يمينيّةٍ سياسية. دعم الحريديون قانون القومية، وصاروا أكثر دعمًا للاستيطان، وهجومًا على العرب. في العام 2019 كان على نتنياهو أن يختار بين اليمين المتدّين وبين اليمين العلماني، فاختار المتديّن وضحّى بأفيغدور ليبرمان، ممثل اليهود الروس اليمينيين سياسيًا والعلمانيين اجتماعيًا، ما قاد لسلسة جولات انتخابيّة، انتهت، الأسبوع الماضي، بانتصار معسكره اليميني المتديّن.

الديمغرافيا في صالح هذا التحالف. كان يمكن منعه من الوصول إلى الحكم عدّة سنوات، لكن لم يكن من الممكن منعه من الغَلَبة على المدى البعيد.

*مراسل "التلفزيون العربي" في القدس

التعليقات